الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

IT'S JUST STUPID

ابتسامة كبيرة .. وعذبة هي أول ما أذكره ، لا الدموع ولا الانكسار ولا الصعوبات ولا المهانة التي حشو رؤوسنا بها لتشكل صورة نمطية عنهم ، فقط ابتسامة كبيرة وقدرة هائلة على نشر السعادة والأمل ؛
قليلون فقط من يعلمون الثقل الذي يلعبه ذوي الاحتياجات الخاصة او الاشخاص المميزون ( كما احب ان اسميهم ) في حياتي ، وهذا خطئي الشخصي ، لقد ادركت ذلك اليوم ، وادركت ايضا انني لم اقم ولو لمرة واحدة بالكتابة عنهم ( أو لهم ) علنا رغم كل ما يربطني بهم ، لكل واحد منهم أثره الشخصي ، تفاصيله الصغيرة ، انتصارته وحكايته التي تستحق ان تروى على حدا ؛ ولكني سأكتب اليوم عن كل الاشياء الجميلة التي تعلمتها منهم ، عن كل الصفات المميزة والفريدة التي تجعلني اصر على ان ادعوهم بالاشخاص المميزين والتي جعلت منهم جزءا ثمينا من قلبي .
منذ صغري اذكر ان خالتي كانت تأتي لتصطحبني بعد انتهاء الدوام الى المركز التي كانت تشارك في ادارته الى ان تأتي امي لتأخذني الى بيتنا ، اليوم لا استطيع تذكر اسم ذلك المركز ، كل ما اذكره بالاضافة الى الحواجز العنابية الجميلة ان ابنة السادسة التي كنتها لم تكن تفرق بين اصدقائها في مدرستها القريبة وبين اصدقائها في هذا المركز ، ترون كوني طفلة مجردة من الاحكام المسبقة والنظرات الفوقية المغرورة لم اكن اهتم إن كان اصدقائي هنا ابطئ في التعلم ، لا يرون ، لا يسمعون ، يتلعثمون في كلامهم او لا يستطيعون القفز معي ما دمنا قادرين ان نلهو معا وان نضحك من كل قلوبنا الصغيرة وان نشاكس بعضنا ، ونغضب ، نتشاجر ونعود فنصبح اصدقاء من جديد ؛
بالطبع كنت الحظ اني مختلفة عنهم بطريقة ما ، اذهب الى المدرسة ، افهم الاشياء بشكل اسرع واستطيع التحرك دون الحاجة الى مساعدة من احد ، ولكنهم ايضا ليسو متشابهين! منهم تعلمت اننا مميزون ونستحق ان نُحب كما نحن دون شروط او احكام مسبقة وان العالم من الكبر ان يسع اختلافتنا ومن المرونة بحيث نستطيع تطويعه ليستطيع ايٌ منّا العبور .
أكـُبر قليلا فتشاء الحياة ان يأتي ثلاثة من ابناء عمومتي مصابين باعاقات : لطفهم ، قلوبهم الكبيرة ، والبهجة التي ينشرونها في المكان شكلت ايضا جزءا مهما من وعيي تجاه هذه القضية ، الاهم من ذلك جزءا كبيرا من شخصيتي ، ابتسامتي ، وحبي لهذه الحياة رغم كل ما تقذفنا به من الام . منهم تعلمت الأمل ، والفرح الطفولي.

في هذا الصيف تكمل الحكاية سيرها معي ، اتطوع خلال وجودي في الاردن في " بيت اللقاء" مركز لذوي الاحتياجات الخاصة على طريق عمّان -مادبا التابع لبطريكية اللاتين ، كانت سنتهم الاولى هُنا واحتفالهم الاول بما يمكن ان يكون اول سنة دراسية لهم ، اعتلى خشبة المسرح الصغير شاب يصغرني بثلاث او اربع سنين ، كنت قد شاهدته يتدرب اوقاتا طويلة على الكلمات الموجودة بين يديه ، بدا خائفا للغاية وهو يصعد الدرجات القليلة - كونه يعاني من " صعوبات التعلم " جعل من القراءة واحدة من اكبر التحديات التي يوجهها - لذا افهم خوفه ، عليه ان يواجه كابوس حياته امام الجميع ، امام ابويه ، معلماته ، واخوته الذين سخروا منه طويلا ، بدأ بالقراءة تلعثم قليلا ، توقف ، اعاد الجملة مرة اخرى ، أكمل ، ثم توقف مرة ثانية ليتهجأ كلمة اخرى ، ولكنه اكمل ، في كل مرة كان يخطئ فيها وترتجف يده كان قلبي يتوقف في مكانه " يا ترى ما الذي جعله يتطوع لهذه المهمة بالذات رغم انه يعلم ما الذي ينتظره ؟ " عرضت عليه احدى المعلمات ان تكمل بدلا عنه ولكنه رفض بقوة ، كان مصرا على ان يكمل الفقرة الى نهايتها وحين قرأ الكلمة الاخيرة نظر الى الجمهور فافلتت منه ابتسامةً منتصرة وتنفسنا الصعداء.. خاض تحديه ونجح ، منه بالذات تعلمت الشجاعة والارادة .. وان لا استسلم لخوفي .
في ذاك المكان ايضا ، منحتني الحياة فرصة التعرف الى الكثير من الاصدقاء والحكايات ، التحديات الصغيرة والانتصارات ، القدرة اللامحدودة للحب والتفهم ، والمعجزات التي تحدث بالقليل من الايمان والارادة .
وهذا بالضبط ما جعل من المنشورات التي وقعت بين يدي اليوم تبدو سخيفة ومهينة للغاية : صورة الطفل الجالس على كرسي متحرك مثقوب الاطارات بملابس بالية ووجه مغبر وشعر اشعث ودمعة منكسرة على الوجنة الصغيرة مرفقة ببعض كلمات ذليلة " ساعدونا ، ومدوا لنا ايديكم " ، جاهز تماما ليكون مشروع " شحدة" ، هي تماما الصورة النمطية والمغرورة التي نتعلمها عنهم : مساكين ، ناقصين ،" مشحرين" ، بؤساء ، الادنى والاضعف ، غير قادرين على فعل اي شيء بانتظار احساننا !!! و نحن بصفتنا الافضل والاحسن علينا ان نساعدهم ونشفق عليهم ، ونربت على انفسنا لأنا ضحينا و تعاملنا معهم " بلطف" من وقت لأخر !!!
اكبر عظماء العالم وعباقرته عانوا من اعاقات معينة ، ولكن ايا من ذلك لم يمنعهم من التسلق الى احلامهم وتحقيقها ،
اعذب من رأيت من البشر كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة ، واكثرهم صدقا وعطفا ، حنونين ، محبين باخلاص ، وفيين ، مرحين و قادرين على اجتراح المعجزات
هم لا يحتاجون شفقتنا ولا مساعدتنا المغرورة التافهة ولا تلك النظرة الغبية ، يحتاجون منّا ان نكون مثلهم : أنسان ، مستعد ليتفهم ان ما يميزنا كبشر هو اختلافتنا و وتفاصيلنا الشخصية الصغيرة التي تجعلنا مميزين و فرصة .. فرصة صغيرة فقط لأثبات انه ليس ثمة شيءٌ مستحيل .

هناك 6 تعليقات:

لاجئ الى متى يقول...

لا أظن أننا نختلف عن بعضنا البعض
وإن كان من أحد يحتاج الى المساعدة
فأظن أنه نحن ذوي العقول الرديئة
التي تفكر ولو لقليل من الوقت في عطف ما على شخص ما

لسنا سوى مجرد اسماء قد لا نتمتع أصلا بمعانيها

وطن هالمرة رشيتي كثير ملح
شوي شوي

عَوسَجْ يقول...

يا ليتني منهم ..

أنا محتاج لتلك الكلمات أكثر

أنا والكثير

" المعاقين فكرياً "

..

وطن .. تجردي أكثر وأكثر

:)

watan يقول...

لاجئ صديقي ..

نختلف .. وكثيرا
كفسيفساء: جميلة ان كلفنا نفسنا عناء النظر اليها بتمعن
و مجرد مجموعة من الحجارة البلهاء ان لم نكن نهتم

-

حتى نحن لا نحتاج المساعدة ، نحتاج نفضا قاسيا ربما ، او مطرا يغسلنا من كل ما علق بنا

او لحظة ادراك
_

الملح والجروح .. هذه موهبتك
لا استطيع ان اعتدي عليها

كن انت بملحك وجروحك

watan يقول...

it's my

ممممممم اشتم رائحة الجنون ورائحة الارض

وان كان احساسي صادقا _ كعادته_ فلست من المعاقين فكريا ، ربما على العكس تماما


وعندها سأتعلم الكثير منك ايضا ، وربما استعير جزءا من ذاكرتك ، والقليل من هواء غزة

سنرى

كن بخير .. كن في الجوار

حروش يقول...

وطن
شكرا لك

شكر من احد الذين كتبت عنهم لك شخصيا

watan يقول...

العبيط
ولو :)


خارج النص //
ألف مبروك