الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

الطفل والطيارة

بدأ الربيع مبكرا هذا العام ، حتى انه قد سبق الشتاء : منذ شهر تقريبا لمحت أول زهرة لوز ، و منذ اسبوع مضى و" قرن الغزال" يملأ الأرض حولي ، لم أكن لأعلم انه جاء مبكرا هذا العام كمقدمة لكل " زهر الحنون " هذا !!

**

ان تعرف غزة عن هذا القرب ، ان يكون فيها اصدقاء لك ، ان تعيشها عبر كلماتهم والصور التي يرسلونها لك ، أن تستعير ذاكرتهم ، يجعلك تنظر الى الامور من منظار مختلف ، ويجعل من كل غارة صاروخا يصيب قلبك مباشرة ، لم اتطمئن على اصدقائي .. لم اكن لأحتمل صمتا محتملا ، ثم ماذا سأقول ، كيف الحال ؟! او : لا تموتوا ! .. لا لم استطع، من اعماق قلبي اتمنى ان تكونوا بخير .

**

اسوء لحظات اليوم هي تلك التي اقف فيها تحت سمائي اراقب طائرة تخترق هذه الزرقة النقية وتلوثها ، وأعلم جيدا وجهتها ، واعلم ماذا تحمل .. ورغم كل محاولاتي لا استطيع ايقافها .

**

قلت : أتبرع بدمي ، أقل شيء عملي يمكن عمله ، ولكن الممرضة الغبية التي تطبق قوانينا اغبى قالت لا ، قال يؤثر على دراستك و على التوجيهي ، قلتلهم ومالكم ومالي ، قالت لا ، القوانين تقول هيك ؛ لم يأخذوا دمي ، تركوه لي لأحرقه ببطئ من القهر .


**

اكره الارقام ، وبالذات اكره " الرقم" كما يصر مذيعو الجزيرة على تسميته ، اكرهه وهو يرتفع باستمرار ، اكرهه عندما يختزل بداخله عوالم بأكملها ، هذا الرقم يا سادة هو اشخاص ، اشخاص حقيقين بلحمهم ودمهم الذي يروي الارض ، بذكرياتهم وتفاصيل حياتهم اليومية ، وقصصهم ، لهم احلامهم و مخاوفهم ، اشياء يحبونها واخرى يكرهونها ، لهم ما كانوا يعملونه لحظة قرر صاروخ لعين انها نهاية الطريق ، لهم اناس يحبونهم ، اناس جعلوا منهم صباح كل يوم ، لهم اصدقاء وجيران واعداء ايضا .. لهم ملامح وجوههم التي احاول ان ابنيها في مخيلتي كل ليلة كل لا يظلوا مجرد رقم نسأل عنه كما نسأل عن نتيجة مبارة ما .. ، لا يختلف عن ارقام البورصة الا انه الوحيد الذي يرتفع باستمرار موجع ... ليسو مجرد " الرقم" .. ليسو كذلك ؛ هل فهمتم الان لماذا اكره الارقام ، واسأل عن اسمائهم ؟
**

واكره صوت الطائرات ، كنت في صغري عندما كنت اعيش في الاردن ، كلما سمعت صوت طائرة اصر على الخروج الى الساحة الامامية والتلويح للطائرة وركابها واحملهم اكوام سلامات الى البلدان التي سيذهبون اليها ، الوضع يختلف هنا ، كل طائرة فوقك عدو ... واتساءل ، ماذا تشعرعندما تسمع صوت الطائرة التي تعتبرك الهدف ؟
**
لست متفائلة ، ليس ثمة ما يدعو الى ذلك ، على العكس اعتقد ان الرعب الحقيقي لم يبدأ بعد ! لست متفائلة ، ولكني ما زلت على قيد الأمل.
.**

تقول الاغنية اشياء كثيرة ، ومحزنة .. ولكن الحقيقة تقول ان اطفالنا الان يعلمون تماما ما الذي تعنيه الطائرة اللامعة في السماء ، اصبحوا يدركون الهدايا التي تنقلها لهم ... نستطيع الاطمئنان من هذه الناحية!

**

الالتصاق اللاارادي بشاشة التلفاز يجعلك تسمع كلاما كثيرا وترى مشاهد أكثر .. ولكن اسخفها على الاطلاق كان في تغطية لاثار قصف على منطقة سكنية ، دمار هائل والجرحى يملأون الشوارع ، ضجيج وذهول المرة الاولى ، اناس يبعثون عن ابنائهم واخرون يبحثون عن اشلائهم ووسط هذا الدمار يفاجئك ابناء فصيل معين بملابسهم المصقولة اللامعة وهم يلوحون براياتهم امام عدسة الكميرا ويعلقونها على اي شيء لم يسوه القصف بالارض ، منظر الرايات النظيفة المكوية وسط هذا الخراب كان باعثا على القرف والسخرية بصدق ، ومنظرهم المصقول يجعلك تتساءل : ماذا حدث ليجعلهم يقفون هناك يلوحون بها بكل الغباء هذا بدل ان يمزقوها شرائطا ليوقفوا نزف من حولهم ، ليوقفوا نزف غزة ... لماذا كان على غزة ان تتمزق لتبني خرائب يستغلونها لرفع اعلامهم ؟!

**

ماذا يعني المطر لأنسان فقد سقف منزله ؟

.**

قناة فلسطين تقول لكم : "عزيزي المواطن تجنب الاكثار من مشاهدة المشاهد الدموية على شاشات التلفاز حفاظا على " سعادتك النفسية" ، و احرص على عدم متابعة الاخبار قبل النوم كي لا تصاب بالكوابيس " ولو اني اقول ان الكوابيس دليل صحة ، كيف؟ اقل شيء يمكن ان نقوله هو انها دليل على ان رأسك ما زال في مكانه (حتى يحين دوره على الاقل) وان شظية ما لم تدخل عنوة اليه .

**

غزة .. لا اعتذر ، الاعتذار صك هروب من المسؤولية ، هو ما نقدمه على ورقة بيضاء بعد ان نكون قد انهينا كل ما لدينا ، هو طلب عفو وانا لا اريد عفوا .. نعم لم افعل شيئا لك ، لم اكن في قدر المسؤولية التي تضعينها علي ، ولكني لا اعتذر ولا اطلب عفوا ، سأحمل وزري الثقيل هذا ، وسأحتمل عقوبته .. وعندما يحين الوقت سأفي بوعدي لك .. كوني على ثقة من هذا .

**

اتفركشت القمة ... يلا كل واحد يكتب بيان الشجب تبعه بدارهم ، لأ النهفة الي انحمقوا من هالشعب ، طب ما انتو شو مستنين يعني ، هو بيان الشجب تبع كل مرة وحفظناه ، هالمرة بيجي بـ 22 نسخة ، وعمرو موسى مغلب حاله وكاتبلكم بيان مسجوع ومستشهد بامثال والدنيا دنيا ، وانتوا عارفين البير وغطاها ، وبالاخر مقهورين وحارقين اعصابكم ومندهشين .. يا عمي اعملوا متلي ، قسم الاخبار المتعلق بالقمة العربية والخطابات هاد القسم الترفيهي ، متل اي مسرحية تافهة بمواقف مفتعلة من مسرحيات هاليومين ، ناقصنا وجع قلب :D

**
اخرسوا : كلكم ، قال وحدة وطنية .. ببدلاتكم النظيفة والحرس الموجودين بجانبكم اخرسوا ، لأجل غزة التي علكوتموها اخرسوا ، لستُ سياسية محنكة ، ولكنني اعلم جيدا ان الوحدة لا تبدأ باتهامات متبادلة وشتائم ، وبالتأكيد لن تبدأ بالشماتة ، الم يفلح كل هذا الدم في جعلكم تدركون أن القارب واحد وأنكم لستم القضية ؟!

**

غزة : وجع في القلب ، عيوننا المنكسرة امام جرحك ، قلق ينتهشنا ، رغبة في الصراخ ، وهي ذاك الشيء العظيم الذي يظل يوقظنا ليذكرنا اننا كومة جبناء مقيدون بألف قيد ، هي السماء الجميلة التي تحمل في عيونها البحر ، كومة الحجارة التي كانت بيتا لأحدهم قبل أن تأتي الطائرات ، و التي رغم الدخان وكل الدموع وكل القلق تبقى الأمل .. وهي التي تقول لي ، لا احب الكلمات ، لا تنفع ضمادة لطفلي الجريح ، ورغم أنها تعجن كثيرا في افواهكم لم تصنع يوما رغيف ، فلم أحبها؟!

أسمعها جيدا ، أخجل من نفسي ومن كلماتي المتناثرة ، الملمها واسكت
___

في اطار التغطية:

اعتقال طفل يبلغ من العمر 12 عاما على حاجز بيت ايبا بتهمة حيازة " جسم مشبوه " ، بعد ان تم اطلاق النار باتجاهه ومن مسافة قريبة مما ادى الى اصابته ،وكما ان ذلك لم يكن كافيا لأشباع سادية جيش الاحتلال على ما يبدو حتى يقرروا اجبار الطفل الجريح على خلع ملابسه وضربه بوحشية !!

هذا ويقوم " الوحوش" المذكورين اعلاه باطلاق النار والقنابل المسيلة للدموع على كل من يقترب من منطقة الحاجز الذي تم اغلاقه .
" فقدان الاعصاب هذا ، اضافة الى انه دليل حقد متأصل ،يشير الى كمية الرعب والترقب مما سيأتي قريبا "

هناك 7 تعليقات:

رهام Reham يقول...

نعم، متأصل الى النهاية، حتى حريتنا..

Hedaya Al Haj يقول...

وجع في القلب ..

يتفحص أولئك الأطباء طفلة .. يتفحصون عينيها جيدا ثم وبحركة خفيفة يأتي أحد من بعيد ليأخذها الى احدى اماكن التبريد .. وببساطة أبسط مما خيّل لي ..

أمي تقول :
- غمضوا عيونكم او قوموا من هون .. صح قوموا من هون معليكوش دراسة .. لازم الواحد يكمّل حياته ..

وكأنها تريد أن تقول .. " ببساطة أبسط مما يخيل لكم أطفالي "

أنا وبشيء ما يخنقني
- لا فتحوا عيونكم مزبوط .. اذا حد قلكم تغمضوا اوعوا تردوا عليه .. بيكفي غمضنا كثير .. بيكفي..!!!!

صديقتي ..!!، بحاجة لأشياء كثيرة الآن ، لست بحاجة لنفسي أعلم كثيراً كم هي روح بائسة ليس بوسعها فعل شيء الا زيادة من حولها بؤساً ..

عَوسَجْ يقول...

هذا الطفل هو الذي سميّ باسم والده .. لأن والده استشهد وأمه حامل به

هو من يرى الطائرة خيط من الخيوط المجد الذي سيحيكها ليصنع مستحيل ولكن بعد أن يترك متسع للشباب .. أو عندما يقترب طوله من طول البندقية

هو الذي سينثر الحرية في الشوارع والمزارع والجوامع

في المدارس والكنائس

..

أما كاتم الصوت " 22 متحذلق "

فقدنا الرؤية بهم .. أصبحوا لا محل لهم في الاعراب

أو مضربون بجزمة إسرائيلية ومنصوبون على حائط الهوان الأمريكي

..

يا وطن ،،

فنجان دم سادة ومرسيل وقرنفل

لا لشيء ولكن أعرفك جيداً

فــ أنتِ ليس ممن يشربون نخب غزة

Hedaya Al Haj يقول...

جيت هون مرة تانية

مو لأدور ع تعليقك ولا مشان أقرأ الحكي مرة تانية ..

لأسمع الاغنية الموجعة حد الحياة ..

watan يقول...

رهام ..

لا يهم ، سيأتي يوم لا يصدق فيه الاطفال انهم وجدوا يوما .. مجرد حكاية خرافية تخوفهم امهاتهم بها ليناموا


كوني بخير صديقتي

watan يقول...

عروبتي ..

لا.. لا تدعيهم يغمضوا عيونهم ، لا تدعيهم يصدقوا انهم بعيدون ، وانهم ان تجاهلوا الامر والتهوا بطعامهم لن يأتيهم الدور

..

ولا تصدقي نفسك ايضا .. تحتاجينها كثير

ثقي بها

ارجوك

watan يقول...

it's me



رأيت .. مصاب بالامل رغما عنك



حنونة حمراء لقلبك